• 2019-01-01

إضاءات تربوية

العتاب على قدر الخطأ

عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كان بيني وبين رجل كلام، وكانت أمه أعجمية فنلت منها، فذكرني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: "أساببت فلانًا؟"، قلت: نعم، قال: "أفنلت من أمه؟"، قلت: نعم، قال: "إنك امرؤ فيك جاهلية"، قلت: على حين ساعتي هذه من كبر السن؟ قال: "نعم، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليُطعمه مما يأكل، وليُلبسه مما يلبس، ولا يكلّفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليُعِنْه عليه". (متفق عليه واللفظ للبخاري).
قول الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبه رضي الله عنه: "فيك جاهلية"، أي: فيك صفة من صفات الجاهلية. هل كان الرسول عليه الصلاة والسلام قاسيًا على صاحبه؟! معاذ الله، فهو سيد المربين، وهو الرحيم العطوف مع الناس. قال تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فظًا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ".
كان عليه الصلاة والسلام حريصًا على النصح والإرشاد، مع الحرص كذلك على تأليف القلوب، فكثيرًا ما كان يوصل الرسالة المطلوبة دون ذكر أسماء من أخطأ، حرصًا منه على عدم إحراجهم: "ما بالُ أقوامٍ، يَرفعونَ أبصارهمْ إلى السماءِ في صلاتهمْ" (البخاري) .. "ما بالُ أناسٍ يشترطونَ شروطًا ليست في كتابِ اللَّهِ" (البخاري، أبو داود). فلماذا عاتب أبا ذر رضي الله عنه بهذه الطريقة؟ لأن هذا الصحابي الجليل من الرعيل الأول، من خريجي مدرسة (دار الأرقم)، من الذين تلقوا الإيمان والعلم والتربية من سيد المرسلين في أكثر الأوقات صعوبة وضيقًا على الدعوة الإسلامية، فمثل أبي ذر ما كان ينبغي أن يصدر منه مثل هذا الخطأ. كان درسًا تربويًا عظيمًا لأبي ذر، وما عاد لمثله أبدًا، بل هو الذي روى هذه الحادثة لكي يستفيد غيره. يا لها من عظمة. درس عظيم للمربين والمتربين: العتاب يكون على قدر الخطأ، وحسب نوعية المُخطىء. ما أكثر الكنوز في السيرة والتاريخ.